أيْنَ قُوَّتُـكْ .. ؟!!
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ..
هَلْ أنا قوَيّه/ هل أنتم أقويّاء!
نَعَم .. كلٌ منّا رُزِق بِنِقاط قوّة في شخصيّته ونفْسه أو في مَواهِبه ..
حَتى و إن لَم تَكن ظاهرة فهي مَوجودة في النفس وتَحتاج إلى اكتشاف ..
لكن الأمر الذي أرغب في الحديث عنه هو ..
أنّ نِقاط القوّة هذه لن نستطيع استغلالها والاستفادة منهاإلاّ إذا كان لدينا [أساس القوّة] !
طيّب .. أين أساس القُوّة ؟
أساس القوّة في [ القَلب ] !
هَذه المُضغة الصغيرة التي تَحْمِلها بين جنبيك .. هِيَ أساسُ قوّتك ..
كُلّما قوِيَتْ .. قَويتَ أنت..
وفي ذلك قال - صلى الله عليه وَ سلّم - :
" إن في الجَسَدِ مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب "
فصَلاحها صَلاحُ الجَسد .. !
و من أصدَق الأمثلة على ذلك ..
ما تجّلى في شيخ الإسلام ابن تيمية عندمآ قال :
" ما يَفعَلُ أعدائي بي ! أنا جنّتي وبُستاني في صَدرِي ،
إنَّ قَتلي شهادة ، وسِجني عِبادة ، ونَفيي سِياحة "
إن يَسلِب القَومُ العِدا .... مُلكي وتُسلِمني الجُموعُ
فالقلبُ بَين ضُلوعِـه .... لَم تُسلِمِ القلْبَ الضُلوعُ
هَكذا المُؤمِن .. قُوّته دائماً في قلبه ..
ولا سلطان على القلب بعد الله لِغيْرِ صاحبه !
و انظروا إلى حال القلب .. إن تعلّق بغيرِ الله هَلَك .. وأهَلَكَ معه صَاحِبه ..
و في أهميّة القلب يَقول ابن القيِّم :
اعلم أن العَبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بِقلبه وهِمّته لا ببدنه ،
والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارِح ،
قال – تعالى – : "ذلِك وَمن يُعظِّم شعائِرَ الله فإنّها مِن تَقوى القلوب " ،
وقال – صلى الله عليه وسلم - : " التقوى هاهنا " وأشار إلى صَدره . "
فاحرِصوا أشدّ الحِرص على قَلوبكم !
فقطّاع الطُرق عَلى القلب في الدُنيا كُثُر ،
الناس ، و الصُحبَة السيئة ، والأفكار ، والخواطِر ، والذنوب الخفيّة ..
كُلّها تَلتَهِم قوّة قَلوبكم التهاماً مِن حيث لا تَدرون ..
فتُلقى نَفسَكم عَلى قارِعةِ العُمر واهنونً عاجِزونً !
وإن سألتوني .. كَيف تقوي قلوبنا .. ؟
فقوِّ قلوبَكَم بمحبـة ربِّـكم ومـحبّة نبـيـه - صلى الله عليه وسلم - :
ففي محَبَّة الله - عزَ و جل - قُوَّة عَظيمة .. لا يَعرِفها إلا من تعمّق فيها ..
و مَحبَة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والصالحين قوّة .. وعِلمٌ واقتداء !
وكيف لا وأنتَم ترون الصبْرَ يتجلّى في أحوالهم .. فَتَجِدُون هُمومكَم تتصاغَرُ أمامَ عِظمَ ثباتهم وصبرهم ..
" ولله العِزّة ولِرسوله وللمؤمنين "[ االمنافقون : 8 ]
وقوِّ قلوبكَم بمخالفـة هـواكم:
يقول ابن القيم : " إن مخالفة الهوى لتقيم العبد في مَقامِ منلَو أقْسَمَ على الله لأبّره ؛
فيقضي الله له مِن حوائجه أضعاف أضعاف ما فاته من هواه ؛
فَهو كَمن رَغِب عن بَعرة فأعطي دُرّة "
خالِفوا هواكم .. وأبْشِروام بِقوّة تَحوطك حَيث كُنتم .. وتُغني قَلوبكم عن كُلِّ ما سوى الله !
وَ قوِّوا قَلوبِكم بـتـأديـبـها :
فعلّموها أنْ لا تحبَّ إلا لله ، ولا تكره إلا لله ، ويكون غضبها لله !
و علِّموها الإخلاص ، وعَلِّموها الصِدق ..
علِّموها أخلاقَ الكُرماء !
وَ قوِّوا قلوبكم بِـصُـحبـة الأقـويـاء..
فمنهم وبهم يَقوى القلب .. أفتصاحبون الغافلين ممن تراكمت ذنوبهم جِبالاً ..
وترجون أن يكون لكَم قلبٌ قويّ .. وأن يَصلُحَ حالكم !
أما ترون أن صُندوقَ التُفاح يفسُدُ لأنَّ تُفاحةً فيه فَسُدت .. فأفسدت !
فلتسعون دوماً لمصَاحبة مَن هُو أقوى منكم .. فتستقون مِن قُوَّةِ إيمانهم وصلاحهم ..
فإياكَم إياكم .. والركون لِحالكمم وحال صحبتك !
بلِ اسعوا دوماً لأعلى العُلا ولا تَرضون بِالدونِ في إيمانكَم ..
وَ قوِّوا قلوبكم بالاستـعـانـةِ بـربّـكم!
وهذي أهمها .. فأنتَم لا تنالون هذه القُوّة إلا بفضلِ ربّكم .. !
- فإذا كان لا يوصل إلى غير الله إلا بالله .. فكيف يوصل إلى الله بغير الله - !
فإن أردتموها .. فاسألوا الباري .. وألِّحوا عليه في الدعاء..
واصدقوه .. يصدقكم .. وإن نلتوها فاسألوا ربّكم الثبات ..
فحتى نبيُّكَم - صلى الله عليه وسلّم - كان يسأل ربه ذاك ..
فيقول : يا مُقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك ..
حتى قالت له عائشة - رضي الله عنها - : يا رسول الله ، إنك تدعو بهذا الدعاء ،
قال : يا عائشة ، أوما علمت أن القلوب أو قال :قلب بني آدم بين إصبعي الله ،
إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه ، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلالة قلبه .
فأدرِكِوا قلوبكم .. واسألوا ربّكم الثبات والهِداية ..
ِفابدئوا بِعزم ، ولا تؤجِّلوا أمرَكك ..
فَما أحوجَكم الآن أن تَخطو أولى خُطواتِكم في تقوية نفسكم بتقوية قلوبكم ..
واصدقوا ربّك .. يصدقكم ..